رهيب عبدالله المهمش الذي قزمته رصاصة القناص في محافظة تعز.
معاذ العبيدي/صحيفة الأيام:
رهيب عبدالله... المهمش الذي قزمته رصاصة القناص. |
تنام المدن اليمنية على اصوات القذائف وتصحو على ذات الصوت المتعارف عليه باسم الموسيقى اللعينة الناتجة عن ترانيم آلات الحرب التي لم تدع مواطنا يعيش بسلامه متنقلا بين الحب والبحث عن قوت يومه إلا واعطته لحنا موسيقيا حزينا تمثل بقتل عزيز عليه أو بتر عضو منه أو نزوح أو تعطيل عن العمل.
ولعل الأسوء من كل ذلك أن يبتر من جسده عضوا أو اعضاء تشل حركته، وتجعله "عودا" دون وتر في مسرح هذه الحياة، وتعتبر كل هذه الألآم الناتج الوحيد والمؤلم عن الحرب في اليمن حيث مثلت بالنسبة لإنسان كان يعيش حياته الطبيعية كفرد في المجتمع غصصا ومرارات، فكيف بالنسبة لمن كان مهمشا و"ناقصا"(في نظر المجتمع) قبلها؟.
دائما ماكان يسكن الوجع والقهر واللااهتمام مخيمات المهمشين بمدينة تعز قبل إندلاع الحرب اليمنية أي قبل حوالي 8 سنوات وبحكم أن الأوضاع كانت مستقرة كان المهمشون يعيشون حياتهم الكفاحية ساعين لتوفير قوتهم اليومي غير أبهي بنبذ وتذمر المجتمع منهم بإعتبارهم ذوي بشرة سمراء "ناقصة عن المجتمع".
تعتبر حكاية الطفل المهمش رهيب عبدالله أحمد من أكثر الحكايا ايلاما المتأثرة بالحرب في محافظة تعز، إذ تصف بوضوح مدى الألم الذي عاشه المهمشون- خصوصا الأطفال -ويعيشونه في الاوضاع الراهنة، بإعتبارهم أول المتضررين من طول مدة هذه اللعنة المسماة بالحرب.
رهيب عبدالله أحمد الحاشدي طفل مهمش جسده طريح الفراش وعيناه حبيستا خشب كوخهم المتهالك والكائن في النسيرية بمحافظة تعز، قزمته الحرب بحجم الألم الذي يعيشه فكأنه إذا نظرت ببراءة سمرة وجهه في العاشرة من الحلم، لكن يفاجئك والده بأن عمره في 17 عشرة وأن جسده اصبح صغيرا اثر تعرضه لطلقة قناص حوثي.
كان رهيب ببراءة الأطفال- كما تحكي والدته -في بداية الحرب يجلب بعض احتياجات المنزل المهمش، حين ارتأت عين القناص الحوثي عبوره في معبر الدحي تلك العين التي لاتعرف معنى الوداعة والتي اطلقت رصاصتها بكل تلذذ على طفل مهمش صغير بعمر العاشرة، ولو لم تشأ الأقدار أن يموت رهيب فقد شأت لا انسانية القناص أن تفقده الحركة لأن الرصاصة اسكنت غضبه في عمود رهيب الفقري وحرمته لذة المشي بإعاقة كلية.
سبع سنوات ورهيب طريح فراشه، سبع كانت كافية لتأكل عظمه، بوجع وألم يحكي والده القصة قائلا:"سبع سنوات وابني طريح الفراش إلى أن بدأ وركه يتآكل قبل عدة أشهر بسبب تقرّحات حول الورك"، وكما لم تسمح الحالة بتوفير متطلبات عملية رهيب من قبل والده أراد الله ليد خفية أن تمد له العون لإجراء عمليتين لتدارك العظم، كما يضيف والده:"تم إجراء عمليتين له وتكفل بها فاعل خير، لكنه مايزال طريح الفراش" .
في حين يحكي معنى الوجع الحقيقي بكل هشاشة الوالدين وهم يرون أنفسهم عاجزين عن تلبية حاجات ابنائهم :"إلى الآن نعجز عن شراء كل المتطلبات والحفاضات له إلا ما يجيبه فاعلي الخير ، وأنا أعمل خراز وأسكن أنا و زوجتي وأطفالي الثمانية في عُشة واحدة صغيرة ، ولا أملك شيء".
أما عن الحياة التي تعيشها عائلة رهيب فليست بأحسن حالا من حالته، المسكن كوخ صغير جدا مبني من مخلفات المباني ككل أكواخ المهمشين، والأسوء من ذلك صغره الذي لا يعلم المتفرج كيف يتسع لثمانية اطفال ووالدين إذا ما جاء الليل، في حين أن المطبخ لايملك اصلا غرفة بل تقوم والدة الطفل بطبخ الطعام أمامه وتترك كل حاجيات المطبح هناك لأن الكوخ لا يتسع لهم.
ومع انهيار قيمة الريال اليمني وإرتفاع أسعار المواد الغذائية ازدادت معاناة المهمشين بشكل عام عائلة الطفل رهيب بشكل خاص، فهم يقفون عاجزون عن فعل شيء أمام كل هذه التراكمات المتمثلة في علاج رهيب وشراء حاجاتهم اليومية والأساسية، بإعتبارهم مهمشين أولا وبإعتبارهم معتمدين على مهنة والده ثانيا، اضافة للكثير من الاحتياجات التي تنقصهم من أجل العيش كعائلة متوسطة الدخل.
تعليقات
إرسال تعليق