عادل سمنان... "هفهفة" الكوميديا التي اطفأتها التفاهة
كنت وأنا طفل، أنفجر ضحكا عند مشاهدته، كان ظهوره كريما تماما كالشهر الكريم، كانت طريقة كوميدياه الغريبة تسحرني ابتدأ من حركته، من شكله، من ملامح وجهه وخطاه، و كلامه "هفهفته" كما أحب أن اسميها بطريقتي الخاصة، هي من تجعلنا نحبه ونلتمس الأداء السهل الممتنع فيه، والآن مازال كذلك يضحكني لولا أني اصبحت افتقده وبشدة، واكره التقزيم الذي اعتقد أنه يتعمده، إما لأن المخرجين الجدد لايعجبهم الأداء المتمكن ويغارون من تاريخه الكبير، أو ينظرون له بأنه أصبح كبيرا في السن، أو لأنه لايحبذ انتجاتهم الركيكة.
لطالما أردت أن أكتب عن تجربته الفنية، التي لايمكن أن نسميها تجربة لأنها مدرسة فنية متكاملة الأركان لفنان استطاع شغر جميع الأدوار بدون استثناء، واستطاع ادخال البهجة والضحك لمنازل كل اليمنيين آنذاك دون الحاجة للتفاهة، وبأسلوب بسيط جدا، أسلوب قلما أن نجد ممثل يمني يستطيع تأديته، خصوصا من الشطحات الأخيرة والمحسوبة على الممثلين الكبار، والتي نستحي أمامه هو وكثير من جيله ومن الجدد المتمكنيين أن نسميها تجربة، ولوتجربة ارتجالية.
و"سمنان" ربما لايظهر إلا حين يريد وكيفما يريد، فهو ليس القمر ليكتمل برتابة أنصاف الشهور، إنه الظاهرة الكونية التي تظهر متى تشاء وتبهر، بعيدا عن التفاهة التي اصبحت مصدر رزق لمن يسمون غصبا الممثلين الجدد أو كما احب تسميتهم "مروجي التفاهة"والذين لم يستطيعوا لقلة وعيهم أن يقدموا جديدا وارجع اغلبهم الأداء اليمني كثيرا للعصر الرتيب، لأنهم جعلوا من التمثيل مهنة لا فنا يحبوه ومع ذلك لم يخلصوا في المهنة، فالدراما اليمنية والكوميديا أصبحت "مصنع تفاهة" حيث لاجديد يذكر، لذا كان هنالك قديما وهو الأساس ولا بد أن يعاد لنتغنى به كما تتغنى كل البلدان بممثليها الكبار.
وعند العودة للماضي، الماضي القريب جدا، قبل "توريد التفاهة" للحديث عن الكبار، نحن لانبحث ولاننقب عنهم تنقيبا، لأننا نرفع رؤوسنا كثيرا كي نرى انجازاتهم، ولايمكن لي أن أذكر وأسمي كلا على حدة، فممثلي سبأ كانوا عمادا يحملون عرشا تملك الدراما رغم عدم الدعم أو لنقل قلته، وكانوا لها ساجدين.
وأنا أردت هنا الحديث فقط عن "عادل سمنان"، عن أخر المعجزات الكوميدية قبل عصر التفاهة، وهذا لايعني أن العصر يخلوا من المبدعين الجدد، لا فالمبدعين الجدد كثر ومع ذلك مؤطرين ومحدودين، وأنا إنما اقصد بالتفاهة كثيرا من موهوبي العصر، ابتدأ بالعاملين على تدوير الافكار الدرامية والكوميدية بطريقة مبسطة ذات دعابة يمنية، بالاضافة لمتقمصي الأدوار من ممثلي الساحة الذين يُعَتبرون للأسف ويَعتبِرون _للأسف أيضا_ أنفسهم نجوما كبارا، بينما شخصياتهم هشة وأدوارهم غير قادرة على الخروج من نمط واحد، رتيب ومتكرر في الدراما، ويحصر الكوميديا في دائرة ضيقة تنطلق من جانب لايمكن أن أراه إلا عنصريا.
![]() |
صورة لعادل سمنان توضح قدرته على تأدية أي دور. |
فهم والذين أسميهم "التافهون الجدد" لا يدعون دور المضحك إلا في القروي الريفي غير المثقف، متناسين أن الكوميديا يمكن أن تقوم بها أي شخصية وإن كانت أكثر سلطة، أو أكثر علما، أو حتى أكثر ثقافة، أو تدينا، فكل شخصية قادرة مهما كان مستواها على أن تكون سيدة دعابة وأكثر كوميديا أيها الكتاب، والممثل من لاتعجزه الأدوار باختلافها، أما "تافهونا الجدد" فهم يظلون غير قادرين على إدماج الواقع في إنتاجهم، والتخلص من ملامحهم العادية ولغاتهم المختلفة من أجل الوصول لمرحلة التجلي والتماهي والذوبان في الدور، لتكوين الممثل المجيد لكل الأدوار المطلوبة منه، الذي يعيش الشخصية وكأنه هي بعيدا عن تقليده لنجم معين، الشيء الذي استطاع "سمنان" ابتكاره وفشل الباقون عن خلقه.
وبالعودة ل "سمنان" يقال أن أول ظهور لهذا المذنب في سما اليمن ظهورا كاملا، أي نال منه شهرة كبيرة، في مسلسل "الكنز" الذي مثل انطلاقة كبيرة له، جعلته يشبع حدقة تلفازات العصر، ويحتل مكانا مرموقا عند الجمهور المتعطش للأداء، الأمر الذي اثبته لنا وبجدارة في عدة مسلسلات أخرى كانت الأروع في الشاشة اليمنية خصوصا عندما شكل ثنائيا مع النجم المرحوم "عبدالكريم الأشموري" والخطوات التي سعت لأدماج الدراما اليمنية مع الدراما السورية في تجربة ناجحة ورائعة، فتحت الأفق أمام كثير من الممثلين للتبادل الثقافي من تجارب البلدين.
وكان حضوره في عدة اجزاء من "كيني ميني" هو الشيء الذي جعل للمسلسل نكهة متجددة، تتجدد مع مر الزمان كلما رجعنا للخلف وقمنا بمتابعته، تجددا لايشبه ترندات التفاهة الحالية إنما تجددا كوميديا غير رتيب ولا يمل المشاهد منه، فيما كان له ظهور رائع في فليم "الرهان الخاسر" وحتى في مسلسل حاوي لاوي.
وفي العادة فالفنان اليمني المبدع كما هو معروف لدى الجميع يكرم على رغم ماقدم بالتهميش، النسيان، التغاضي، الطمس أحيانا، بشكل متعمد من الهيئات التي يتوجب أن تسانده، ومن الجمهور الذي بمجرد اختفاء الوجه يتناساه ويجري مع البديل وإن كان الجرف هو التفاهة، ففناننا كغيره تعرض لمرض لم يتوقع محبيه مؤخرا الشفاء منه ومع ذلك شفي منه، ولم أسمع أن احدا كرمه أو ذكره فيما بعد.
إن عادل سمنان فنان كوميدي يمني من الطراز الأول، إن لم يكن من مؤسسي الكوميديا اليمنية، وأنا لم أكتب هنا عن سيرته الشخصيةأو عن إنجازاته، بل تطرقت لذكره في وقت غاب فيه، ذكرا من باب الاشتياق والحنين لعودته كما كان، ساطعا ذو "هفهفة" رائعة، لكن المؤسف والمحزن والمبكي أن تمر اعوامه ويشيب هكذا دون أن نحصل منه على انتاجات جديدة، دون أن يسطع ضوءه الكوميدي الثاقب في ظلام التفاهة التي خلفته، فكانت اسوء خلف لأنبل خلف، حيث اطفأت هفهفته الكوميدية اللذيذة ب تفاهة الجيل الجديدة.
رائع
ردحذف